الطّلاق الخلعي

| مقالات فقهية |

 

(الخلع) هو الطلاق النّاجم عن طلب الزوجة من زوجها أن يطلّقها في حال كرهها له، مقروناً ذلك بمالٍ تبذله لزوجها كي يطلّقها. والطّلاق الخلعي هو نوع من الطلاق الذي يُراد منه إيقاع المفارقة بين الزوجين، ويتحقّق الخلع من خلال كراهة الزّوجة لزوجها، وعزوفها عن البقاء معه لأسباب كثيرة، ولا يتحقّق الخلع إذا كان الزوج ـ أيضاً ـ كارهاً لها، إذ يكون حينئذٍ طلاقاً يسمّى (مباراة)، وهو طلاق متوافق عليه بين الزوجين المتكارهيْن، والمقترن بمال تبذله الزوجة للزوج أيضاً، ولا يصحّ أن يكون الطلاق خلعيّاً فيما لو عمد البعض من الناس على ظلم الزّوجة المتعمّد بهدف إجبارها على بذل المال وطلب الطلاق، أما إذا كان الظلم من طبيعة الزوج وسوء أخلاقه، ولم يظلمها بقصد الحصول على البذل والمال، صحّ منها ما تبذله لطلاقها، وصحّ منه اختلاعها.

وفي حال رغبت الزّوجة في مفارقة الزّوج من دون كرهه، وطلبت منه الطلاق مع بذلها عوضاً لذلك، ورضي زوجها وطلّقها خلعيّاً، لم يصحّ الخلع، ولم يتملّك العوض المبذول.

ويُعتبر في الطلاق الخلعيّ اقتران طلب الطّلاق من الزوجة بعرضها بذل مقدار من المال لزوجها ليطلّقها، فإن خلا من ذلك، كان ـ بالبداهة ـ طلاقاً غير خلعيّ، ولا يعتبر مقدار معيَّن للعوض، فتجوز فيه الزّيادة عن المهر والنَّقص عنه والمساواة له.

والصّيغة الأكمل والأحوط للخلع، أن تبدأ المرأة بإنشاء البذل باللّغة العربية الفصحى الصحيحة، فتقول: “بذلت لك ألف دينار لتخلعني عليه”، فيقول الزوج مباشرةً: “قبلت البذل”، ويبادر الزوج بعد قبوله البذل إلى إيقاع الخلع بقوله: “زوجتي فلانة مختلعة على ما بذلت، فهي طالق”.

وكما يصحّ الخلع والبذل بمباشرة الزَّوجيْن لهما بنفسيهما، فإنّهما يصحّان أيضاً بالتوكيل فيهما، فيجوز أن يوكل كلّ منهما غيره، كما يجوز أن يوكل أحدهما الآخر فيما هو له، أو يكون أحدهما أصيلاً ووكيلاً عن الآخر، وهكذا.

وحول حيثيّة هذا الطلاق، وما إذا كان الزوج باستطاعته الرجوع إلى الزوجة بعد طلاقها خلعياً،  يقول سماحة العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، بأن “طلاق الخلع بائن لا يحقّ للزّوج الرجوع عنه، إلا أنه لمّا كان الخلع بسبب كراهة المرأة لزوجها، فإنّ لها الرجوع عن البذل ما دامت في العدّة، فإذا رجعت، يعيد لها الزوج العوض، ويتخيّر بين البقاء على الطلاق المنقلب حينئذٍ إلى رجعيّ، وبين مراجعتها في العدة وإعادتها إليه، وللمسألة تفاصيل تُراجع في الرسالة العملية.

ولجهة التوارث بين الزّوجين المختلعيْن، فلا توارث بينهما إذا مات أحدهما أثناء العدّة، إلا إذا رجعت الزّوجة في البذل، وكان الزّوج يمكنه شرعاً الرجوع إليها”. [فقه الشّريعة، ج:3، ص:639-645].

وفي الكتب الفقهيّة كلام حول الطّلاق الخلعي، نورد بعضه كما في كتاب: “الفقه على المذاهب الخمسة” للعلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض):

“الخُلع: إبانة الزوجة على مال تفتدي به نفسها من الزوج. وهنا مسائل:

هل يُشترط في الخلع كراهية الزوجة للزوج؟

إذا تراضيا على الخلع، وبذلت مالاً كي يطلّقها، والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة بينهما، فهل تصحّ المخالعة؟

قال أئمّة المذاهب الأربعة: يصحّ الخلع، وتترتّب عليه جميع الأحكام والآثار، ولكنّهم قالوا: إنّه مكروه.

وقال الإماميّة: لا يصحّ الخلع، ولا يملك المطلّق الفدية، ولكن يصحّ الطّلاق، ويكون رجعيّاً مع اجتماع شرائطه؛ واستدلّوا بأحاديث عن أئمة أهل البيت، وبالآية (٢٢٩) من سورة البقرة: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، حيث علّقت الآية جواز الفدية على الخوف من الوقوع في المعصية إذا استمرّت الزوجيّة.

المخالعة على أكثر من المهر: اتّفقوا على أنّ الفدية يجب أن تكون ذات قيمة، وأنّه يجوز أن تكون بمقدار المهر أو أقلّ أو أكثر.

صيغة الخلع: أجاز الأربعة أن تكون الصّيغة باللفظ الصريح، كالخلع والفسخ، وبالكناية مثل بارأتكِ وأبنتكِ. وقال الحنفيّة: يجوز بلفظ البيع والشّراء، فيقول الزوج للزوجة: بعتكِ نفْسكِ بكذا. فتقول هي: اشتريتُ. أو يقول لها: اشتري طلاقك بكذا. فتقول قبلتُ. وكذلك عند الشافعيّة، يصحّ أن يكون الخلع بلفظ البيع.

وأجاز الحنفية التعليق والخيار، والفاصل بين البذل والخلع، فلو كان الزّوج غائباً وبلغه أنّها قالت: اختلعتُ نفسي بكذا وقَبِل لصحّ. وكذلك عند المالكيّة لا يضرّ الفاصل.

ويصحّ الخلع عند الحنابلة من دون نيّة إذا كان اللّفظ صريحاً، كالخلع والفسخ والمفاداة، ولكنّهم اشترطوا اتحاد المجلس وعدم التّعليق.

وقال الإماميّة: لا يقع الخلع بلفظ الكناية، ولا بشيء من الألفاظ الصّريحة، إلاّ بلفظتين فقط، وهما: الخلع والطّلاق، فإن شاء، جمع بينهما معاً أو اكتفى بواحدة، فتقول هي: بذلتُ لك كذا لتطلّقني. فيقول هو: خلعتكِ على ذلك فأنتِ طالق – وهذه الصّيغة هي الأحوط والأولى عند جميع الإماميَّة.

ويكفي أن يقول لها: أنتِ طالق على ذلك، أو خلعتكِ على ذلك. ويشترط الإماميَّة الفور وعدم الفاصل بين البذل والخلع، وأن يكون الخلع مطلقاً غير معلّق على شيء، تماماً كما هي الحال في الطّلاق. [كتاب: الفقه على المذاهب الخمسة، ص:422 وما بعدها].

محمد عبد الله

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*