إزعاج الآخرين ليس من الأخلاق

بما أنّ الإسلام جاء لتنظيم علاقة الإنسان بربّه ومحيطه، فلا بدَّ من وضع ضوابط وحدود، من خلالها تنتظم العلاقات الاجتماعية، وتترعرع في أجواء من السّلامة والهدوء، بحيث تضمن نموّها والحفاظ على أصالتها وغايتها في إيجاد مجتمع صحيح ومعافى من كلّ الأمراض والعيوب التي تعيقه.

وعدم إزعاج الآخرين، من جملة القضايا الحيويّة الّتي دعا إليها الإسلام وحضّ على التزامها، لأنها من المظاهر الأساسيّة لإبراز أصالة الشخصية الإنسانية والإيمانية الملتزمة والحضاريّة، إذ إنّ الإسلام ينظر إلى مصلحة الفرد والجماعة وراحتهما النفسيّة والجسديّة، وبما لا يجرُّ عليهما الضّرر والأذى، فالإزعاج بذاته فيه كلّ الضّرر والأذى على النّسيج الاجتماعي، إذ يجعله دائم القلق والتوتّر والانفعال، ويجلب الكثير من المضاعفات والمشاكل التي تمزِّق عرى اللّحمة بين الناس على مستوى احترام مشاعرهم وكيانهم وحريتهم.

فحتى “الأذان”، والذي فيه كلّ الخير، إذا كان مزعجاً، فإنّه لا يجوز رفع صوته بما يزعج النّاس ويقلقهم، فالإسلام يريد الاعتدال والوسطيّة في الأمر، بما يحقّق الهدوء وعدم إثارة القلاقل، وتعزيز السِّلم الاجتماعيّ، بما يعين الإنسان نفسيّاً وروحيّاً على العيش والانسجام والتّفاعل أكثر مع المحيط.

وهناك البعض اليوم ممن يسيرون بسياراتهم التي تُحدث أصواتاً غريبة مرتفعة جدّاً، وأصوات الأغاني المرتفعة في أوقات متأخّرة ليلاً، ناهيك بارتفاع أصوات الراديو والتلفزيونات من بعض البيوت، ما يؤدّي إلى إزعاج جيرانهم بشدّة، وكثيراً ما تقع المشاكل جرّاء ذلك.. ألا يلتفت هذا البعض إلى مشاعر الآخرين ويحترمها، ويعرف أنّ هناك أناساً مرضى أو نِياماً أو يتضايقون من الأصوات المرتفعة.

إنَّ من التحضّر أن نعيش حرّيتنا في إطار منظَّم لا يسبِّب الضّرر للآخرين، بل يحترم مشاعرهم ويسعى إلى كسب ودّهم وثقتهم.

وفي هذا الإطار، يقول العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض): “الأذان إذا كان مزعجاً للنَّاس، فقد يصير حراماً شرعاً، فالأذان يجب أن يرفع بشكل طبيعيّ بالطّريقة التي لا تضرُّ المجتمع ضرراً بالغاً، وإنما بالطّريقة التي يمكن أن تنبّه النّاس بشكل هادئ ومعقول، لا بشكل الصّراخ بالصوت العالي..

وفي هذه المناسبة، نحن عندنا الآن في كلِّ بيت تلفزيون وراديو ومسجِّلة، فيحرم على الإنسان أن يرفع صوت الرّاديو أو المسجّلة أو التلفزيون بالدّرجة التي تقلق الجيران، بحيث تمنع من يريد أن ينام أو من يقرأ من القراءة، أو من يريد أن يرتاح قسطاً من الراحة.. فحتى لو قرأت القرآن بهذه الطريقة المزعجة، فلا يجوز شرعاً”. [النّدوة، ج:1، ص:807].

من هنا أهميّة أن نعي حدود حرّيتنا المضبوطة غير المتفلّتة، ووعي ما يوجبه عليه ديننا من حرمة أذيّة الآخرين وإلحاق الضّرر بهم مهما كان شكله، لا بل تربية نفوسنا وأجيالنا على حبّ الهدوء والاعتدال والتّوازن في السلوكيّات، واحترام مشاعر الآخرين ووجودهم واجتناب الأذى، ونشر الخير والمحبّة والمودّة والاحترام، وخصوصاً في ظلّ ما نشهده اليوم من تفلُّت أخلاقيّ كبير لدى الأجيال المستهترة بكلّ الأخلاقيّات والقيم والمشاعر.

 

محمد عبد الله

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*