القدسُ: قضيّةٌ بحجمِ الأجيالِ

إنَّ قضايا المسلمين، ولا سيّما قضية القدس بالذات، هي قضيّة في حجم الأجيال لا السنين، ولكنّنا نقول مع قول القائل: «غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون».

وقول الله أصدق من كلّ قول، إنّه يعدنا، وهو أصدق الواعدين: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ }[القصص: 5، 6] …

إنَّ القدس تختزن في ذاكرتنا وعقولنا وقلوبنا الكثير من المعاني الروحيّة، والقيم المتّصلة بقضايا الحريّة والعزّة والكرامة.

لقد كانت القدس من البداية هدفاً للاستكبار العالميّ بأشكاله كافّة، فعاشت الاحتلال الصليبي، والاستعمار البريطاني، وتعيش اليوم مشكلة معقَّدة من خلال الاحتلال اليهودي الذي يرمي لجعلها عاصمة أبديّة لـ “إسرائيل”…

إنَّ الأمّة التي تعوَّدت أن تقدّم التنازلات من أرضها وثرواتها ومواقفها السياسيّة تحت تأثير قوّة ضاغطة هنا، وقوّة ضاغطة هناك، وتنسى كلّ ما تنازلت عنه، هي أمّة سوف يكون سجلّ تاريخها الهزائم، لأنَّ قضيّة الهزيمة ليست قضيّة واقع، ولكنَّها قضيّة روح وإرادة.

لذلك، نجد أنَّ الإعلام الاستكباري يسخّر كلّ طاقاته للإيحاء بأنَّنا ضعفاء، لا يمكننا أن نتوحّد، الإيحاء بأنَّ السّيطرة على العالـم معقودة للقوّة الكبرى، ولا نستطيع إزاء ذلك أن نقف بوجهها، وما علينا إلّا أن نستسلم للضعف والهزيمة، لكي لا نفكّر في أيّ خطّة نحرّر من خلالها أنفسنا في المستقبل…

وإذا أردنا أن نكون بمستوى المسؤوليّة على المستوى العالميّ، علينا ألا ندع اليأس والضعف والحزن يسري إلى قلوبنا، فإذا كنا المغلوبين اليوم، وتمكّنّا من صنع القوّة، ربَّما نكون الغالبين غداً {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:140]، لأنَّ الله { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء }[آل عمران: 26].

ولذلك، ليست القدس مجرّد بلد عاديّ يختزن في داخله قيماً روحيّة، بل يتجاوزها إلى تحويل ذلك الوعي الروحيّ إلى وعي سياسيّ تحمله الأجيال معها، لأنَّ القدس رمزٌ لكلّ بلد إسلاميّ محتلّ ومستباح، فهي تمثّل كلّ فلسطين… وكلّ موقع في العالـم يسيطر فيه المستكبرون على المسلمين .

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*