الحبّ المسؤول بين الأهل والأبناء

عندما نتحدَّث عن الحبّ، نتحدّث عن هذه العاطفة الجميلة، والتي لولاها لا نقدر أن نعيش أو أن نحسّ بالفرح.

هذا الحبّ والاحتضان والأمان، هذه المشاعر الجميلة والمودّة والرحمة الغامرة في كلّ حياتنا، مع أولادنا وضمن العائلة، هذا الحبّ في محلّ ما يمكن أن يكون خطيراً، ويمكن أن يكون أداةً تجعلنا بدل أن ننشئ أولادنا بطريقة صحيحة، ندمِّر لهم حياتهم.

قد تقولون كيف ذلك؟

يجب أن يكون حبّنا لأولادنا حبّاً مسؤولاً، يعني الحبّ بمسؤوليّة، أي أن نعرف متى نقول لا ومتى نكون حازمين.

ونحن دائماً ـ وللأسف ـ نربط بين الحزم والعنف، أو بين الحزم والمنع، أو أن يكون الحزم بأن نحرم الأولاد أو ننفِّرهم… بالعكس، لا تتخايلوا كم يحتاج الأولاد إلى حزم وإلى أن تضعوا لهم نظاماً.

الولد بطبعه يحبّ أن يكون لديه روتين معيّن يمشي عليه، وهذا الأمر متوافَق عليه عند كلّ علماء النفس والتربية، أنّ الولد بحاجة لأن نضع له روتيناً معيّناً ونظاماً معيّناً، ومخالفة النظام يجب أن لا تمرّ بسهولة. ولا يعني ذلك أنها تمرّ بعصبيّة وبمشاكل وردّ فعل انفعاليّ وعنيف، بل علينا أن نكون متوازنين في التّعاطي مع الولد.

فعندما نقول “لا”، فينبغي أن تكون هذه الـ”لا” معروفة لماذا، وأن نقولها للأشياء التي ينبغي أن تكون “لا”… إلا إذا كان هناك استثناءات معيّنة. وعلينا ألا نقول للولد أثناء الغضب عبارة “لم أعد أحبّك”، أبداً، بل أن نقول: “نحن استأنا منك”، وليس “لم نعد نحبّك.

وهذا الخطأ يقع فيه الكثير من الأهل. يعني إذا كنت أحبّ الولد، وكان يريد أن يرمي بنفسه عن الشّرفة، فليس معنى ذلك أن أسمح له برمي نفسه.

وإذا كنت أحبّ الولد، فليس معنى ذلك أن أسمح له بأكل الشوكولا ساعة يشاء، أو أن يتناول أشياء غير مفيدة، أو أن أتركه يسهر لوقت متأخّر، وليس معنى أنّي أحبّه أن أتركه دون درس ولا مدرسة أيضاً…

هذا ليس حبّاً، لأنّي بذلك أساعد الولد ليتدهور، ولا يكون عنده مستقبل.

الحبّ الحقيقيّ هو الّذي يجعلني أعرف متى أقول (لا)، على أن يكون ذلك واضحاً وضمن نظام، يعني أن تكون هناك لائحة مسموحات وكبيرة جدّاً. وفعلاً، يمكننا أن نحدِّد لائحة مسموحات وكبيرة أيضاً، حتّى نجنّب أنفسنا قول (لا)، لنعود بعدها ونقول (نعم)، ويتحوَّل بذلك قرارنا إلى قرار متذبذب.

وهذا من الأخطاء التربويّة التي تحدث معنا كثيراً، وخصوصاً عندما يكون الأولاد صغاراً، فنتراجع عن قول لا تحت عنوان “حرام”.

فلنضع لائحة مسموحات كبيرة جدّاً، ولائحة ممنوعات محدودة ومعروفة، وليتعرّف الولد إليها، بمعنى أن نقول له لا يمكننا أن نفعل هذا، لأنَّ هذا الشّيء مضرّ ومسيء ومؤذ، فنحن ينبغي أن ننام باكراً، لأنّ صحّتنا تكون أفضل، أو لأنّ السّهر مؤذ، أو لأنّ هناك هرمون نموّ…

والولد يستوعب ذلك ويفرح به، ويحبّ أن تكونوا جنبه، فعندما أقول له حان وقت النوم، فلا ينبغي أن يكون وقتاً للمشاكل، بل على العكس، يمكن أن يكون وقت سعادة واحتضان كبير.. يمكننا أن نعمل قطاراً لنصل إلى غرفة النّوم ونروي له قصّة جميلة ومفيدة، وفيها كلّ الحبّ الموجود عندنا في مدرسة أهل البيت(ع).. في الإسلام المحمدي، هناك الكثير من الحبّ يمكن أن نعطيه للأولاد، ولكنّ هذا الحبّ يجب أن لا يكون عائقاً أمام تربية الأطفال.

التربية تحتاج إلى سلطة. للأسف، اليوم نحن نرى أهلاً مأزومين، فإمَّا أنّهم داخلون في السلطة إلى حدِّ التسلّط، وهذا خطر، أو أنَّهم يستغنون كليّاً عن السلطة، بحيث إنَّ العلاقة بين أفراد الأسرة تصبح علاقة أفقيَّة، ولا يوجد فيها أيّ منظومة، الأولاد يصرخون على الأهل، ليس هناك أيّ احترام، وليس هناك من أسئلة توجَّه إليهم، ومرجعياتهم يأخذونها من الخارج.. وللأسف، يدخلون في انحرافات وسلوكيات خاطئة.

ختاماً أكرّر، لنحبّ بعضنا بعضاً الحبّ المسؤول.


د. سحر مصطفى – أستاذة جامعيّة

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*